top of page

مغاربة العالم: بين الرعاية الملكية والاختلالات الميدانية

منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، شكل ملف مغاربة العالم إحدى أولويات المشروع المجتمعي الذي يقوده بعزم وحكمة. فخلال خطبه السامية، لم يدخر جلالته جهدًا في التعبير عن تقديره العميق للدور المحوري الذي يضطلع به أفراد الجالية المغربية بالخارج، سواء على المستوى الاقتصادي، من خلال التحويلات المالية والاستثمار، أو على المستوى الثقافي والدبلوماسي الموازي، عبر حمل صورة المغرب وتعزيز إشعاعه الحضاري في مختلف بقاع العالم.


لقد ترجم جلالة الملك هذا التوجه الاستراتيجي عبر مجموعة من المبادرات والإصلاحات المؤسساتية، بدءًا من تأسيس مؤسسات تُعنى بمغاربة العالم، مرورًا بتبسيط المساطر الإدارية وتيسير العودة والاستثمار، وصولاً إلى دعوته الصريحة في خطاب العرش لسنة 2022 للإدماج الفعلي للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج في مسار التنمية الوطنية، دون تمييز أو إقصاء.


غير أن هذه الإرادة الملكية السامية، وإن كانت واضحة وراسخة، تصطدم في بعض الأحيان، للأسف، بممارسات لا تعكس روح التوجيهات الملكية ولا تطلعات الجالية المغربية. فقد أضحى من الملاحظ في بعض التمثيليات الدبلوماسية، أن التعامل مع أفراد الجالية يخضع أحيانًا لمنطق “الولاءات والعلاقات” بدلًا من منطق الكفاءة والجدارة. إذ يتم في بعض الحالات تهميش كفاءات مشهود لها، والاقتصار في التواصل أو إشراك الجالية في الأنشطة الرسمية على دوائر ضيقة بعينها، بناءً على اعتبارات شخصية أو مصالح محدودة.


هذا الإقصاء غير المبرر يُضعف ثقة شرائح واسعة من مغاربة العالم في مؤسساتهم التمثيلية، ويؤدي إلى فقدان الحماس للمشاركة في المبادرات الوطنية أو الاستثمار في الوطن الأم، بل قد يخلق هوة بين التوجيهات العليا للدولة المغربية وتطبيقها الميداني، وهو أمر يستدعي وقفة تأمل ومراجعة جادة.


إن مغاربة العالم، وهم يُجددون ولاءهم وإخلاصهم لجلالة الملك، يطمحون إلى شراكة حقيقية، مبنية على الاحترام والتقدير المتبادل، وعلى التفاعل المسؤول من طرف ممثلياتهم الدبلوماسية. كما أنهم لا يسعون إلى امتيازات بقدر ما يطلبون العدالة في الفرص، والاحترام في المعاملة، والتقدير لنضالاتهم اليومية من أجل رفع راية المغرب عاليًا في ديار المهجر.


ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز العلاقة المتميزة بين جلالة الملك وأفراد الجالية لا يمر فقط عبر التوجيهات السامية، بل يقتضي تفعيلًا مسؤولًا وميدانيًا من طرف القائمين على الشأن القنصلي والدبلوماسي، مع الحرص على التخليق، والشفافية، والانفتاح على الكفاءات، بعيدًا عن الحسابات الضيقة التي لا تخدم صورة المغرب، و ضرورة اشراكهم في الحياة العامة المغربية.


ختامًا، فإننا كمغاربة العالم، فخورون بملكنا ووطننا، و نتطلع أن تكون المرحلة المقبلة عنوانًا لمرحلة جديدة من الإنصاف، تُعيد الثقة وتعزز الارتباط، وتحول الجالية المغربية إلى فاعل حقيقي وشريك موثوق في بناء مغرب التقدم والكرامة.


هشام القادي


 
 
 

Comments


bottom of page